الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة نصر سامي يجعل محمّد البوعزيزي شاعرا!

نشر في  12 نوفمبر 2017  (13:49)

بقلم الكاتب شوقي البرنوصي

"اللّيلأطولحينتنتفضالقصيدةفيالعروقوحينتنكسرالبروقعلىشبابيكالبيوت" نصر سامي

لا يمكن تسطيح فكرة الانتحار بالحديث عن دوافعها فقط، يكمن الإبداع في لحظة مغادرة المنتحرين الحياة. شارفنا الذكرى السابعة لحرق محمّد بوعزيزي لنفسه، حدث أشعل تغيّرات بأوضاع العالم العربيّ والعالميّ.

كان الشاب نفسه الشخصيّة الرئيسيّة لرواية "بالنّار" لمؤلّفها الروائيّ المغربيّ الطاهر بن جلّون الصادرة سنة 2011، وصرّح الكاتب أنّ البوعزيزي أحرق نفسه بقدّاحة من نوع BIC.

من بين تداعيات هذا الاحتراق نجد الكتاب الشعريّ "سفر بوعزيزي" للشاعر والروائي التونسي نصر سامي، صاحب إحدى جوائز مسابقة كتارا القطريّة هذا العام عن روايته "الطائر البشري".

يلخّص هذا الكتاب عمل نصر سامي الشعريّ الذّي استمرّ بصفة متتالية منذ مجموعته الأولى "ذاكرة لاتّساع اللّغات" إلى الآن. نصوص سيطر عليها الهاجس العروضيّ كما يقول الكاتب وكانت محاورة بين قصائد التفعيلة، القصائد المدوّرة والنصوص النثريّة. اقترنت كلمة "لا" بفعل "الحرق" على حدّ قول الشاعر. البوعزيزي رمز للإنسان المحقّر العاري والزائد عن الحاجة، والذّي تصرّف في الشيء الوحيد الذّي امتلكه؛ جسده.

"لم أعد متفائلا، لكنّ القصيدة ما تزال تبدو متفائلة. لم أعد أشعر بفرح، لكنّ القصيدة ما تزال قادرة على إطلاق فرحتها رغم كلّ شيء" هكذا صرّح نصر سامي ثمّ يعود مرّة أخرى "أمدّ الكون في ألفي ويائي/وأبسطه وأحقنه دمائي/ وأشربه بلا مزج/ قراحا" تصير القصيدة عنده موطنا دائما وسماءً يلاحق فيها آماله وأحلامه وإخفاقاته مخفّقا بأجنحة الأمل ومطاردا الحقيقة الضائعة، متحسّسا تلمّس السماء لشعره ومتخّذا اللّغة ملاذا فاتحا بابا لغربان البين في قصائده حتّى تحلّق عاليا.

يتأمّل وطنه الجغرافيّ تونس، وسط بحثه المحموم عن وجوده المنذور للبحث والتأمّل نصرة للضعفاء والمظلومين والمدافعين عن حرّيتهم بشراسة. ذلك الوطن الذّي يطير وصار نجما خلف ثورته مستضيئا بروحه وسائرا نحو الضوء. ذلك الوطن بشهدائه صانع الأساطير، الذّي شبّهه الشاعر بمدينة أوروك وأسطورة حاكمها جلجامش. يقول الشاعر في قصيدة سمّاها ثورة الأحرار متوجّها إلى الشهداء "جدّدتم شكل الصباح/ فلم يعد للصبح ذاك اللّون/ ذاك الأسود" ثمّ يختمها "شكرا لكم/ حرّرتموني فجأة/ وجعلتم قلم النبيّ يغرّد."

وجّه الشاعر رسالة إلى التونسيّين جميعهم في صرخة "انتخبهم مرّة أخرى/ لأنّ اللّه في عليائهم،/ سرى بهم/ وبنى لهم جنّاته/ وأمدّهم، من دوننا، بالحكمة العمياء:/ أن يرثوا تراث جدودنا/ ويستبيحوا، هم وحاميهم، جميع حدودنا./ لم تصر تونس أحلى معهم/ فانتخبهم مرّة أخرى/ عنادا."

ماذا لو كان محمّد البوعزيزي شاعرا؟ لهذا الأمر فقط لبس نصر سامي عباءته وكرّس كلّ موهبته الشعريّة ليطلّ علينا بهذا السفر الحميم، جامعا الشعر والثورة في رأس واحدة مثلما تمنّى فلاديمير ماياكوفسكي شاعر الثورة البلشفيّة ذلك، والذّي كان ينزع أصابعه مثلما تُنزع بتلات وردة الأقحوان.